رجل المستحيل (مقال)

رجـــــل المستحــــــيل




رجل من طراز خاص..
هل صادفته ..مؤكد
هل تعرفه معرفة شخصية..لما لا؟
من الممكن ان يكون أقرب اليك أكثر مما يخيل لك..
بل ربما يكون أنت هذا الرجل!!
لكن دعني أقوم بتلك المهمة الروتينية..
وأعرفك عليه ..

*************

بجانب أنه من طراز خاص-مما نستنتج منه بطبيعة الحال أنه ليس كباقي البشر محدودي الموهبة والقدرات-
فهو عاشق للزهد ..يستغني عن وظائف حيوية هامة لا غني عنها لأي كائن حي علي وجه البسيطة
والإستغناء عند هذا الرجل ليدعوا الي التعجب بحق

**********************

فرغم عدم إمتلاكه لرفاهية الإختيار –أصلاً- لكي نستطيع أن نقول أنه كان سيد قرار الإستغناء والزهد عن المتطلبات الحيوية مرتاحي البال..
الا ان هذا الرجل ليس مجبر علي الإستغناء الا لسبب أكتسبه من أباؤه الذين يمتلكون بالطبع هذه الموهبة
الي أن تتحول الي عادة
ومع توالي الأجيال تزداد تلك العادة تأصلاً.. فتصبح صفة مكتسبة دخيلة علي فطرته
جعلته بمرور الوقت لا يشعر بغرابة منها
أو أن هناك ضرورة ملحة لتغييرها
فهي أصبحت جزءاً متأصلاً من شخصيته المركبة شديدة التعقيد

*********************

فهذا الرجل يمكنه الإستغناء بسهولة عن الغذاء
ويعيش
و عن الكساء ويعيش
وعن شرب الماء النظيف
ويعيش
بل والأدهي أنه يمكنه الإستغناء عن أي قطرة ماء حتي ولو كانت غير نظيفة!
ويعيش
ليس هذا فقط
بل يمكنه التكيف مع أصعب الظروف وأقساها علي الإطلاق
الظروف التي يمكن أن تجعل جحافل وحوش أدغال أفريقيا المفترسة
تتمرد علي هذا الوضع
فتهجرها في الحال بحثاً عن مكان يتوافر فيه سبل العيش القويم إذا صادفت عينة من تلك الظروف
لكن مع هذا الرجل فالأمر يختلف

فهيهات أن يتحرك أو يتمرد أو يقوم بمجرد المحاولة لتغيير واقعه
فيمكنه تسخير اي ظرف ليكون طواعية له يحركه كيفما يشاء

وهذا راجع –كما علمنا-لموهبته الفذة في التكيف والإستمرار مع أي وضع مهما كان
فلا تنسي انه رجل من طراز خاص

****************************

رجل المهمات الصعبة
فهو راعي رعيته
صغيرة كانت أم كبيرة
يعمل أو لا يعمل فهو لا ينظر لتلك المسألة بعين الإعتبار
بسبب تكيفه السابق مع الطبيعة كما أخبرتك
قوت يومه يكفيه ويكفي رعيته؟
لا يهم..
فهو لا يحتاج اليه
وبالتبعية يستغني عن عدد من المهام -بجانب تلك المتطلبات الحيوية-..والذي قام بفلسفة سبب الإستغناء عن تلك المهام بأي فلسفة-بجانب فطرته الزاهدة السابقة-
مما تبرر له ذلك الإستغناء بشكل يترتب عليه ان يكون مستريح البال والخاطر..
ويمكنه أن يتنفس الصعداء سعيداً بعد ذلك
وكلما كانت فلسفته قوية وأقتنع بها أكثر
كلما كانت الصعداء أقوي..!!
*************************************

هذا الرجل لا يحتاج الي رفاهية المسكن المتكامل ..فيكفيه اي مكان ليعيش فيه..
المهم هنا هو ان لا يراه احد من جيرانه-لأسباب لا تتعلق سوي بستر حرمة البيت -
لا يمتلك أي طموح
فلقد استغني عنه هو الاخر بأعتباره نشاط متعب للعقل
من يمتلكه يجب أن يكون شقياً!!

*********************

رغم شكواه وتململه لا يأخذ خطوة إيجابية واحدة مؤثرة في حياته..
عاطفي للغاية ..حماسي جداً..ثوري لأقصي درجة
لكن من المستحيل أن يستغل هذه الهبات في أي عمل
فهو يؤمن بحكمة أن كل من هو قوي فهناك من هو الأقوي منه
لذلك فهو لا يحب المغامرة
حتي في صراعاته
فهو يتصارع مع من يضمن حتي لو هزم في هذا الصراع
فلن تكون النتيجة أسوأ من مجرد إشتباك بالأيدي أو تراشق بالألفاظ النابية..
بمعني اخر يتجنب الصراع مع من هم اكبر منه
جسمانياً..ونفوذاً..وبالأخص الأخيرة!
رغم انه رجل الصعاب الذي يمكنه التكيف مع اي ظرف مهما كان
الا ان مجرد فكرة أن يواجه من هو أعلي منه نفوذاً
تعد مقامرة شبيهة بمن يقذف بنفسه في بركان ثائر
لكي يقيس درجة حرارته

مع إن حياته لن تكون بهذه السوء لو فعل علي الأقل ليس أسوأ مما هي عليها الان..

*******************************

يمتلك تناقضات رهيبة
متخاذل..جبان..رعديد..
في مواقف من المفترض أن يكون فيها
متضامناً..شجاعاً..مقداماً..
ونجده العكس تماماً
في مواقف ينبغي أن لا يحرك فيها ساكناً-من باب التعقل علي الأقل-
رغم أنه رجل الصعاب والمهام الصعبة!

لذلك نجد أن عدد كبير منهم -ممن تتوافر فيهم تلك الصفات- في غياهب السجون في جرائم
لو أُحكموا عقلهم بعُشر نسبة جبنهم وتخاذلهم
في المواقف التي تتطلب شجاعتهم وإقدامهم
لتحولت السجون الي مزار سياحي !!

*******************

هل سبق ووجدت كل تلك التناقضات في شخصية أخري سوي هذا الرجل؟؟
من غير المعقول أن يجمع فرد واحد كل تلك الصفات مابالك بجماعة
ما بالك بمجتمع؟؟؟!!
ألا تتفق معي أن هذا الرجل يستحق
وعن جدارة ..هذا اللقب..
لقب..
رجل المستحيل!

""مع الإعتزار لد.نبيل فاروق""